خطبة: إرتفاع الأسعار



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا،أما بعد:
فإن من دلائل ربوبيةِ الله عز وجل وقدرته أن غاير في الرزق بين الناس، فمنهم من يبسطُ اللهُ عز وجل له الرزق، ومنهم من يكونُ دون ذلك، قال تعالى: ﴿أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون﴾
كل هذا لنعلم أن الله سبحانه وتعالى  هو الرزاق وحده  (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)
وقال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا، اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ)
واعلموا رحمكم أن الأسعار بيد الله هو الذي يخفضها ويرفعها، وقد ارتفعت الأسعار في المدينة في عهد النبي ﷺ  فجاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله سعر لنا، فقال: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال. رواه أبوداود والترمذي.
وقوله ﷺ إن الله هو المسعر. أي هو الذي يرفع الأسعار ويخفضها، فإذا علمنا أن الله هو المتفرد برفع الأسعار وخفضها وأن العباد إنما هم أسباب فعلينا أن نتوجه إلى من بيده الأسباب سبحانه وتعالى، وأن نتوب إليه من ذنوبنا فإن الذنوب سبب في كل مايكرهه الإنسان فماغلت الأسعار وانقطعت الأمطار إلا بسبب الذنوب
ولهذا يقول تعالى :
﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون﴾
وقال تعالى:
﴿ ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ﴾

أيها المسلمون إن النعم إذا شُكرِت قرّت وإذا كُفرت فرّت فشكر الله على نعمه يحفظها ويزيدها ومعصيته تُنقص النعم وتزيلها قال تعالى:
﴿وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد﴾
وإن ما حصل من الغلاء هو بسبب الذنوب من امتهان للنعمة وتبذير وإسراف ، وقد رأينا بعض ذلك في مقاطع منتشرة يظهر فيها عدم شكر
النعمة ، فعلينا بالتوبة قبل أن يزيل الله عنا ماهو أعظم من ذلك وهي نعمة الأمن التي نعيش فيها ونسأل الله أن يحفظها ويرزقنا شكره


  عباد الله قد تكفل الله عز وجل بأرزاق العباد، وكل سيستوفي رزقَه، كما سيستوفي أجَلَه.
لكننا مأمورون بالسعي في طلب الأرزاق، وكما أن لطلب الرزق أسباباً حسيةً يعلمها كثيرٌ من الناس من البيع والشراء وأنواعِ التجاراتِ، فإن لحصول الرزق أسباباً شرعيةً تخفى على كثيرٍ من الناس.
أول هذه الأسباب الشرعية هو الإقبال على الله عز وجل بالدعاء قال الله تعالى: (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ)
ومن دعاء النبي ﷺ قوله: ( اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى )
فنحن مأمورون بابتغاء الرزق عند الله عز وجل، ومن ذلك الإكثار من دعائه سبحانه وتعالى في أوقات الإجابة، فمن ألح على الله بالدعاء وأخذ بالأسباب فحريٌ أن يرزقَه الله عز وجل.
ومن أسباب الرزق وهو نوع من الدعاء : الاستغفار قال تعالى (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا  * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)
فالإكثار من الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل من آكد أسباب رزق الله لعباده، خاصةً أن من أسباب تضييق الرزق الذنوب قال تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) ومن الفساد نقص الأرزاق الحاصل بسبب الذنوب .

ومن الأسباب الشرعية  سببٌ عظيم ليس لتحصيل الرزق فحسب بل لأن يحصل لك الرزق من حيث لا تحتسب، ألا وهو تقوى الله قال تعالى: 
﴿ ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ﴾
أي  يرزقُه الله رزقا لا يخطر له على بال، وربما جاءه من غير كدّ ولا تعب لكن ذلك مقيدٌ بتقوى الله، بفعل الطاعات، وترك المحرمات، فمن اتقى الله حق التقوى فإنه حريٌ بأن يوفق للرزق من حيث لا يحتسب.

ومن الأسباب الشرعية  أيضا التوكل على الله ، وهو سبب مهم والكلام عنه متأكدٌ في هذه الأيام، فالتوكل على الله أن  يعتمد العبد بقلبه على الرزاق سبحانه وتعالى، ويسعى في طلب الأرزاق، لا يعتمدْ على راتبه، ولا على مديره، ولا على صديقه، ولا على الوجيه الفلاني، ولا على الأمير الفلاني،
إنما يعتمدْ بقلبه على الله سبحانه وتعالى قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) ، فمن اعتمد بقلبه على الله وسعى في طلب الرزق فإن الله يكفيه سبحانه وتعالى.

ثم اعلموا رحمكم الله أن نبينا ﷺ قال في هذا السبب العظيم وهو تحقيقُ التوكل: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا)
 تغدو في أول النهار وهي جوعى بطونها ضامرة ثم تعود في آخر النهار وقد امتلأت بطونُها، من الذي رزق الطير، من الذي رزق النمل ، ألها رواتب؟
لا والله، بل هو رزق الله عز وجل لعباده، ورزق الله لخلقه، ومنه هذه الدواب، فالذي رزق النمل، والطير وسائر الدواب، يرزقُكَ سبحانه وتعالى، لكن لا بد من الأخذ بالأسباب، فإن الطير لم يمكث على شجره بل طار بحثا عن الرزق، فكذلك على الإنسان أن يبحث عن الرزق متوكلاً على الله سبحانه وتعالى،
فكم من إنسان لا وظيفة له فتح الله له أبواباً من الرزق.
فإن الله إذا أغلق  باباً من أبواب الرزق فإنه بقدرته وفضله يفتح أبواباً أخرى للرزق من ابتغاها وجدها بإذن الله ولكن لا بد من تحقيق التوكل.
نسأل الله أن نكون من المتوكلين عليه حق التوكل
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم...

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا مزيدًا.  أما بعد فإن هذا الذي حصل، من ولاة الأمر من الأمور الإقتصادية الأخيرة إنما هو لمصلحة ارتأوها، والواجب علينا في كل حال هو الصبر والدعاءُ لهم بالصلاح والمعافاة، ونحفظ ألستنا من الوقوع في أعراضهم فإن ذلك غيبة من كبائر الذنوب.
وماحدث نرجو أن يكون عارضاً وسيزول بإذن الله عز وجل، ونحن بايعناهم لله عز وجل، لا لأجل الدنيا، ولذلك أذكر نفسي وإخواني  بحديث عظيم من أحاديث النبي ﷺ  قال ﷺ ((ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ... وذكر منهم رجلا بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها وفَى، وإن لم يُعْطِه منها لم يَفِ)).
رواه البخاري ومسلم.
فالحذر الحذر أن نكون ممن يشملهم هذا الحديث
نسأل الله عز وجل أن يصلح أحوالنا جميعا.
ونسأله بمنه وكرمه أن يرزقنا رزقاً حلاًلاً وأن يبارك لنا في أموالنا وذرياتنا إنه جواد كريم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق